الفصل الثاني: في آيات وأحاديث قطع الرحم وعقوبته طباعة
آل الكرباسي - الباب الثاني: الآيات والأحاديث في صلة الرحم وقطعها
الإثنين, 18 نيسان/أبريل 2011 12:09

الفصل الثاني:

في آيات وأحاديث قطع الرحم وعقوبته

إعلم أن قطع الرّحم يُعتبر ـ بإجماع علماء الأخلاق واتفاقهم ـ من المعاصي العظيمة والكبائر، وهو مما يستجلب العذاب الأخروي والبلاء الدنيوي. ولا تصل عقوبة أيّ عمل إلى الانسان، بأسرع من عقوبة قطع الرحم. ويُستـفاد من الأحاديث، وهو مما تمّت تجربته أيضا، أن قطع الرحم يتسبب في الفقر والأسى والبـلوى وقصر العمر. ومن هنا فان ما يحدث بين أبناء أية عائلة من نفاق وشـقاق، ويتعامل الأقـارب فيما بينهم بالنزاع وسوء المعاملة، إلا ويبتلى الجميع بالفقر والبلوى وينفرط عقدهم في أقصر مدة، ثم تصل حياتهم الى خاتمتها.

ويكفي لذمّ قطع الرحم، أن الله تعالى عدّ قاطع الرَّحِم ملعوناً. والمعنيّ بقطع الرّحم المحرّم: هو أن تؤذي الأرحام بالقول أو الفعل، وتتعامل معهم بأسلوب غير لائق، أو تتحدث إليهم بما لا ينبغي من الكلام مما يؤدي الى إيلامهم، أو يكون بحاجة الى مأوىً أو ملبس أو مطعم وما سواه، وتكون قادراً على تلبية حاجته، وربما امتلكت ما يفيض عن حاجتك، وتحجم عن مساعدته، أو يتعرض أحدهم لظلمٍ وتستطيع أن تدفع عنه الظلم ولكنك تقصِّر في ذلك، أو تتجنّبه وتبتعد عنه بلا عذر مبرّر، حسداً له وحقداً عليه، أو لا تعوده وقت مرضه، ولا تزوره عند عودته من سفره، ولا تعزّيه حين مصيبته، فكلّ هذه الأمور هي من مصاديق قطع الرَّحِم.

ألف): الآيات القرآنية حول قطع الرَّحِم

1 ـ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}(1).

2 ـ {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}(2).

3 ـ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}(3).

باء): الأحاديث والروايات الواردة حول العقوبة الأُخروية لقاطع الرَّحِم

1 ـ روى العلامة المجلسي في البحار عن النبي(ص) أنه قال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة، مُدْمِنُ خمرٍ ومُدْمِنُ سِحْرٍ وقاطعُ رَحِمْ»(4).

2 ـ نقل الشيخ الصدوق ـ عليه الرحمة ـ في كتاب معاني الأخبار عن الإمام محمد الباقر(ع) أنه قال: قال النبي(ص): «أخبرني جبرئيل(ع) إنّ ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، ما يجدها عاقّ ولا قاطع رحم ولا شيخٌ زانٍ»(5).

3 ـ روى الصدوق في عقاب الأعمال عن النبي الأكرم(ص) أنه قال: «ومَن ضيَّعَ أهلَهُ وقَطَع رَحِمَهُ، حرمه الله تعالى حسن الجزاء يوم يجزي المحسنين، وضيّعه، ومن يضيّعه الله تعالى في الآخرة فهو يرد مع الهالكين حتى يأتي بالمخرج ولما يأت به»(6).

قاطع الرَّحِم ملعون

4 ـ نقل المجلسي عن كنز الفوائد للكراجكي أن أبا عبد الله الصادق(ع) قال: «ملعونٌ ملعونٌ مَن ضَرَبَ والدَهُ أو والدته، ملعونٌ ملعونٌ مَن عَقَّ والديهِ، ملعونٌ ملعونٌ قاطِعُ رَحِم»(7).

5 ـ روى المجلسي في البحار عن الكافي عن محمد بن فرات عن الباقر(ع)، أن النبي(ص) قال: «إياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ولا يجدها عاقٌ ولا قاطع رَحِم ولا شيخ زانٍ ولا جارٌ إزاره خَيلاء، إنما الكبرياءُ لله ربِّ العالمين»(8).

6 ـ روى الحر العاملي في وسائل الشيعة ـ كتاب الجهاد في باب من جملة مما ينبغي تركه من المحرمات والمكروهات ـ عن جعفر بن محمد عن آبائه(ع) في وصية النبي(ص) لعليّ(ع): «يا عليّ خَلَقَ الله عزوجل الجنّة لَبِنَتَينْ، لَبِنَةٌ مِن ذهب، ولبنةٌ من فضّة ـ إلى أن قال ـ فقال الله عزّ وجلَّ وعزّتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا نمّام ولا ديّوث ولا شرطيّ ولا مخنّث ولا نبّـاش، ولا عشّار ولا قاطع رَحم ولا قَدَريّ»(9).

وبال قطع الرحم يصل الى الانسان في الدنيا

7 ـ ورد في دار السلام نقلا عن عقاب الأعمال عن الباقر(ع) في كتاب عليّ(ع): «ثلاثُ خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتى يرى وبالَهُنَّ ؛ البغي، وقطيعة الرَّحِم، واليمين الكاذبة يبارزُ الله بها»(10).

8 ـ وفيه أيضا عن أبي جعفر(ع) أنّ في كتاب عليّ(ع): «إنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرّحم لتذران الديار بَلاقِعَ عن أهلها وتُـثـقلان الرّحم وإنّ إثـقال الرّحم انقطاع النَّسْـل»(11).

9 ـ ورد في البحار ـ كتاب الروضة، باب مواعظ النبي ـ عن مكارم الأخلاق: «يا عليّ، أربعة أسرعُ شيء عقوبـةً، رجُلٌ أحسنْتَ إليه فكافـأك بالإحسان إساءةً، ورجلٌ لا تبغي عليه ويبغي عليك، ورجلٌ عاهدتّـه على أمرٍ فوفيتَ له وغَدَرَ بكَ، ورجلٌ وَصَـلَ قرابته فقطعوه»(12).

قطع الرَّحِم يسبّب الفقر

10 ـ ورد في البحار ـ كتاب الروضة، باب ما جُمع من مفردات كلام الرسول النبي ـ قال(ص): «إذا كَثُرَ الزِّنى بعدي كثُر موتُ الفجأة، وإذا طُـفّفَ المكيال أخذهم الله بالسّنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة مُنعَتْ الأرض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن، وإذا جاروا في الحكم تعاونوا على الظُّلم والعدوان، وإذا نقضوا العهود، سلّط الله عليهم عدوّهم، وإذا قطعوا الأرحام جُعلت الأموال في أيدي الأشرار»(13).

قطع الرَّحِم ينقص العمر الى العشر

11 ـ ورد في قرب الإسناد: قال أبو عبد الله الصادق(ع): «إنّ الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيجعلها الله ثلاث سنين، إنّ الله يفعل ما يشاء»(14).

12 ـ ورد في بحار الأنوار عن كتاب الحسين بن سعيد عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق(ع) يقول: «إنّ الرَّحِم معلّقة بالعرش تنادي يوم القيامة اللهم صِلْ مَن وصلني واقطع مَن قَطعني، فقلت: أهي رَحِمُ رسول الله(ص)؟ فقال: بل رحمُ رسول الله منها، وقال: إنّ الرَّحِم تأتي يوم القيامة مثل كُـبَّـةِ المدار، وهو المغزل، فمن أتاها واصلاً لها انتـشرت له نوراً حتى يدخله الله الجنة، ومن أتاهـا قاطعاً لها انقبضت عنه حتى يقذف به في النار»(15).

13 ـ ورد في وسائل الشيعة ـ كتاب الحج باب تحريم مصاحبة الكذّاب والفاسق والبخيل والأحمق ومرافقتهم لغير ضرورة أو تـقيّة ـ عن محمد بن مسلم وأبي حمزة، عن أبي عبد الله(ع) قال، قال لي أبي عن عليّ بن الحسين(ع): «يا بنيّ انظر خمسةً فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقلت: يا أَبَـةَ، مَن هم؟ عَرِّفْنيهم، قال: إياك ومصاحبة الكذاب فانه بمنزلة السراب يقرِّبُ لك البعيد ويبعّد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق فانه بايعك بأكلةٍ وأقـل من ذلك، وإياك ومصـاحبة البخيل فانه يخذلك في ما لَهُ أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق فانه يريد أن ينفعك فيضرّك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع، قال الله عزّ وجلَّ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴿٢٢﴾ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ﴿٢٣﴾}(16)

وقال:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}(17)

وقال أيضا: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٢٧﴾}(18).

أقول، إن الأحاديث الواردة عن النبي الأكرم(ص) وأئمة الهدى(ع) في حُسن صلة الرَّحِم والحث عليها وآثارها وفوائدها للانسان في الدنيا وثوابها الأخروي له، وكذلك الأحاديث الواردة في ذمّ قطع الرحم وآثاره السلبية والنكبات التي تجلبها على الانسان، وعقوباته الأخروية، كثيرة جداً بحيث أن ذكرها يخرجها عن نطاق هذا الموجز، فنكتفي بهذا القدر، التزاما بالآية الكريمة:(19)، وآمل أن يستفيد المؤمنون من هذا الموجز بحدّ ذاته، يقول الشاعر ما ترجمته ـ

من المجتث:

إنْ كان ثمّة من في الدار يصغي

فالبعض من جملات القول يكفي

 

والله الموفق


(1) سورة النساء، الآية: 1.

(2) سورة الرعد، الآية: 25.

(3) سورة محمد، الآية: 22.

(4) بحار الأنوار: 71/90.

(5) بحار الأنوار: 8/193.

(6) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 289.

(7) بحار الأنوار: 71/85.

(8) بحار الأنوار: 71/62، الكافي: 4/50، ح: 2716.

(9) وسائل الشيعة: 15/343، ح: 20697.

(10) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 220، مستدرك الوسائل: 15/185، الكافي: 4/47، ح: 2706، و2/347.

(11) الكافي: 2/347، بحار الأنوار: 71/134، ولا يخفى أن هذه الرواية هي جزء من الرواية السابقة.

(12) بحار الأنوار: 74/48، مكارم الأخلاق: 434، الخصال: 230، باب الأربعة، ح: 72.

(13) بحار الأنوار: 74/155، ح: 129.

(14) قرب الإسناد: 355، ح: 1271.

(15) بحار الأنوار: 7/121.

(16) سورة محمد، الآيتان: 22 ـ 23.

(17) سورة الرعد، الآية: 25.

(18) سورة البقرة، الآية: 27، وسائل الشيعة: 12/33.

(19) سورة الذاريات، الآية: 55.